برشلونة : مصطفى منيغ
آخر مَن يستطيع الحديث عن الجوار انطلاقاً من حقّ إبداء الرأي هي الجزائر ، في ظل ما تحياه من أزمات بسبب عدائها (الشائع بين الدول) لهذا الجوار بشكل جائر، لذا الاجتماع الذي دعت لعقده من الدرجة العاشرة كما استحق تمييزاً لعدم أهميته ، الحامل لعنوان توحيد "ليبيا" أصبح من النماذج الساخرة المتعلقة بحُسْنِ الجوار المعكوسة كلمة الملتصقة بحرف جر "بِحُسْنِ" لتعود "نَسْحَب" ، وحرف الجرّ هنا مٌٌَقارَن بالجزائر نظاماً وليس شعباَ . المغاربة يحبون الجزائريين ، يتأسّفون للوضعية التي أصبحوا ضد إرادتهم يتخبطون فيها مصدرها رئاسة ضعيفة وحكومة أضعف والكل تحت رحمة جنرالات منعدمي الرحمة أصلا. كان على الحكومة أن تصفِّي حساباتها الثقيلة مع الشعب الجزائري أولا ، ثم مع الأرض الجزائرية التي تمرَّدت بتبخُّر المياه فيها ، وبعدم السَّماح حتى بإنجاب تربتها البطاطس بالأحرى باقي الخُضر ، وأيضاً مع المطاحن التي توقفت عن صنع الخبر لانعدام الدقيق ، وبالتالي بمواجهه الملايين الغاضبة الخارجة للتظاهر كل أسبوع على امتداد شهور ، طالبة برحيل نظام العسكر ومحاكمة المفسدين الناهبين لثروات الأمة الجزائرية ، بعد ذلك تفكّر في "ليبيا" التي رغم حالتها ، تعدُّ اقل سوءَا ممَّا تعيشه الجزائر في الوقت الراهن ، المهدَّدة بالانقسام كمسعَى "القبائل" في التحرّر والاستقلال علانية مقدِّمَة له .
... ليبيا لن تعود لسابق عهدها مثلها مثل سوريا وفلسطين والعراق وأفغانستان ، لا ألمانيا ولا الجامعة العربية ولا الجن الأزرق فرادى أو جماعة في مقدورهم إعادة ليبيا لما كانت عليه من وحدة ونماء حقيقي . ليبيا أصبحت بين أيادي مصر وتركيا وروسيا والولايات المتحدة الأمريكية ، مع هؤلاء الأمر منتهي منذ الإطاحة بالراحل معمرو ألقذافي ، هم المسيطرون الآن داخل التراب الليبي في تنسيق بينهم ، رغم التظاهر بالتطاحن خدمة للهدف المنشود المعروف لدى الجميع ، الجزائر وما قد قامت به في اجتماع "دول جوار ليبيا" مجرَّد ثرثرة أقحم بها نفسه وزير خارجية النظام الجزائري ، في مسرحية المُراد بها ، أن الجزائر لها كلمة في الموضوع والحقيقة أنها (كنظام حكم) أصبحت خائفة على نفسها من قوة ستزحف صوبها من داخل ليبيا نفسها ، في مرحلة قادمة ستعرفها المنطقة .
لو كان نظام الجزائر له فكر سياسي يواكب رغبة الألفية الثالثة بمفهوم السيطرة المفروضة أو التي ستفرضها الدول الأكثر تقدما مثل الولايات المتحدة والصين وبدرجة أقل روسيا ، لكان السَبَّاق لإنقاذ نفسه من سلسلة خيارات تنتظره ، التصالح مع الشعب الجزائري بمساعدته على إقامة دولته المدنية خالية من طفيليات مثل جماعة البوليساريو ، أو التبعيَّة المُطلقة لروسيا كجانب متصارع سيكون مع فرنسا ، أو التفتُّت لدويلات مثل "القبائل" في الشمال ، و "البوليساريو في الجنوب بتندوف ، وأخرى ستتشكل في الغرب وهي "وهران" .
لو كان ذاك النظام يفكِّر في مصلحة الشعب الجزائري ، لمدَّ يده مُصافحاً اليد الكريمة التي امتدَّت إليها مِن المملكة المغربية ، فاتحاً الحدود جالساً على طاولة المفاوضات لتدشين عهدٍ جديد قائمٍ على الودّ والإخاء والتّراحم والمصير المشترك والسلام ، خاصة والمملكة المغربية أصبحت قوة إقليمية مُحترمة من طرف الجميع ، قادرة على حماية ذاتها والدولة المجاورة لها من ناحية الشرق ، لكن النظام الجزائري اتَّبعَ ما يؤدي به أجلاً أو عاجلاً لمجالات التهلكة على جميع الأصعدة .