علي خليل/ كاتب وباحث مختص في شؤون المخيمات الفلسطينية
أطلقت وكالة الغوث في لبنان منتصف الشهر الماضي مشروعا اطلقت اسم "عملية التحقق الرقمي للاجئين الفلسطينيين المستفيدين من المساعدة النقدية"، وقد تم البدء بتطبيقه على المهجرين الفلسطينيين من سوريا الى لبنان، على ان يشمل في مرحلة لاحقة اللاجئين الفلسطينيين المقيمين في لبنان. ويهدف المشروع، كما هو واضح من التسمية، الى التأكد من تطابق ارقام اللاجئين الفلسطينيين المسجلين في سجلات وقيود الاونروا مع العدد الفعلي المقيم في لبنان.
ولأن المشروع لا زال غامضا في الكثير من تفاصيله، ويحمل الكثير من الشبهات حول أهدافه الحقيقية وإمكانية استخدامه، سياسيا، في مشروع العبث بقضية اللاجئين وحق العودة، فقد لاقى رفضا فلسطينيا واسعا وصدرت مواقف تحذر من التجاوب معه. لذلك ارتأينا في "دائرة وكالة الغوث في الجبهة الديمقراطية لتحرير فلسطين" نشر هذا المقالة – التقرير للباحث المختص في شؤون المخيمات علي خليل، الذي حاول ان يقدم اضاءة توضح طبيعة المشروع وأهدافه.
مقدمة:
لا يختلف اثنان على واقع اللاجئين الفلسطينيين في لبنان الذي يعاني من أزمات مركبة انعكست على حياة اللاجئين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية بشكل مأساوي، ولسان المفوض العام للأونروا يقول إن 93٪ منهم تحت خط الفقر، ناهيك عن تقارار عدد واسع من المؤسسات الدولية التي تحدث عن الواقع الاقتصادي والاجتماعي الصعب للاجئين الفلسطينيين. إذاً نحن أمام صراع متعدد الأبعاد تُرك فيه الشعب الفلسطيني وحيداً في مواجهة أزمات معقدة ومتتالية ومتشعبة، ومشاريع تصفوية عمل عليها العدو الصهيوني ومن خلفه الولايات المتحدة الأمريكية في محطات مختلفة، خاصةً بما يتعلق بضرب أسس صمود الشعب الفلسطيني وتمسكه بحقوقه، ومن ضمنها الأونروا وما تشكله من اعتراف دولي بنكبة الشعب الفلسطيني عام 1948.
وفي هذا السياق بدأت الامور تثير الشبهات والمخاوف مع استلام دوروثي كلاوس مهامها كمديرة لوكالة الغوث في لبنان، وهي التي عملت بكل جهدها في السنوات السابقة على تمرير مشروع احصاء اللاجئين الفلسطينيين في لبنان من خلال بصمة العين. لكن رفض المرجعيات الفلسطينية في لبنان أجهض المشروع حينها، مما دفعها للالتفاف على الموضوع بطرح "مشروع التحقق الرقمي".
لقد تفاجأ الجميع بجملة من القرارات التي تتعلق بقضايا وشؤون اللاجئين الفلسطينيين في لبنان اتخذتها المديرة العامة دوروثي كلاوس مؤخراً فيما يتعلق بملف الكهرباء وقرار إلزامية التحقيق الرقمي وغيرها، دون العودة النهائية إلى مسؤولي القوى الوطنية والإسلامية الفلسطينية، ما أثار الاستياء، على اعتبار أنها إما لم تتشاور معهم أو طلبوا منها التريث قليلاً لأنها تحتاج إلى المزيد من الدرس والإجابة عن بعض الأسئلة والإستفسارات حولها،او ان بعضهم منواطئ مع المشروع المطروح، وهذا ما ستخبرنا عنه الأيام القادمة.
قرار التحقيق الرقمي:
أولى قرارات كلاوس، اعلان "الأونروا" عن إطلاق تطبيق "التحقّق الرقمي" أو التحقيق الرقمي للاجئين الفلسطينيين في لبنان، اعتباراً من 31 من تموز 2023، في خطوة هي الأولى من نوعها في مجال المساعدات الإنسانيّة، برّرت القرار بأنّه بهدف تعزيز المساءلة في ما يتعلق بتقديم الخدمات وحسن استخدام الموارد، وذلك من خلال انشاء آلية تحرص على ايصال الدعم لمستحقي المساعدات النقدية المقيمين حاليا في لبنان والذين هم على قيد الحياة خصوصا أن 80% من لاجئي فلسطين في لبنان يعيشون في فقر مدقع، كما تدعي الانروا. يبدو هذا التبرير اعتراف من قبل الاونروا بأن الفترة الماضية شابها أوجه خلل لجهة عدم إيصال المساعدات الى مستحقيها، وهذا امر نطرح بشأنه اكثر من علامة استفهام، حول توقيته ومدى اقترابه من بعض المواقف التحريضية التي تتهم الاونروا بالفساد تمهيدا لقطع التمويل.
وأوضحت كلاوس عبر رسالة مصوّرة بأنّ هذه الآلية ستساعد في التحقق من كل الأشخاص الذين ربّما تلقّوا مساعدات نقديّة وهم خارج لبنان ويستهلكون الموارد المخصصة للاجئين الفلسطينيين في لبنان، الذين هم بأمس الحاجة إلى المساعدة وأن العملية تعتمد على تطبيق قامت وكالة "الأونروا" بتطويره على مدار العاميين الماضيين ويتطلب أن يكون لدى اللاجئ هاتفاً ذكياً وبطاقة هوية أو جواز سفر خاص.
في المقابل، يلاقي هذا القرار اعتراضاً فلسطينياً كونه يشكل التفافاً على مشروع مسح "بصمة العين" الذي طرحته "الأونروا" عام 2021 على اللاجئين الفلسطينيين في مناطق عملها، وفي لبنان أولاً، إلا أنه تم رفضه وأثار القلق حول توقيته وأهدافه. مع العلم والتأكيد أن كلاوس اجتمعت مع "هيئة العمل المشترك" وطرحت هذا الموضوع ولم يتم اعطاء الموافقة النهائية عليه نظرا لتحفظات تقدمت بها بعض الفصائل، وهو يحتاج إلى درس وإجابة عن بعض الاسئلة، ليتفاجأ الجميع بإصداره وتحديد موعد تطبيقه.
ولم تُخف الأوساط السياسية الفلسطينية، مخاوفها من عملية "التحقق الرقمي" لانّ لغة الأرقام أخطر من مجرّد عمليّة إحصائيّة، بل لها توظيفات سيّاسية وأمنية تفتح الباب على مخاوف مشروعة، خصوصاً بعد تجديد اتفاق الإطار مع الولايات المتحدة الأميركية، والقيام بعملية نقل الأرشيف من رئاسة الوكالة في عمان إلى مقر "الإسكوا" في بيروت، مستغربة قدرة الوكالة على توفير موازنة لبناء مشروع التحقق الرقمي، في وقت تتذرع بالعجز المالي لتوفير أدنى متطلبات اللاجئين بالاستشفاء الشامل، وتوفير أموال لترميم المنازل الآيلة للسقوط، أو الاستجابة لمطالب أهالي مخيم نهر البارد الذي لم تستكمل إعادة إعماره بعد.
مخاطر وتداعيات المشروع:
وعليه كان لا بد من الوقوف أكثر على مخاطر وتداعيات هذا المشروع على الاونروا وقضية اللاجئين، وبشكل مبسط نورد التالي:
- المشروع يشكل استجابة لاتفاق الاطار بين الاونروا والادارة الامريكية (وقع بداية عام 2021 وتم تجديده منتصف العام الحالي)، خصوصاً وأنه يطبق فقط في لبنان، الأمر الذي يطرح العديد من علامات الاستفهام. باعتباره ينسجم مع الشروط الامريكية الإسرائيلية.
- المشروع يشكل خطراً على اعادة تعريف اللاجىء، فتسقط صفة اللاجىء عن غير المقيم في لبنان، وبين لاجىء مسجل واخر غير مسجل، وبين مقيم ومغترب (وهنا لا ضمانات على ابقاء صفة لاجىء عن غير المقيم، أي امكانية شطب اسم اي فلسطيني خارج لبنان).
- المشروع يقوم على فكرة الارقام، وهناك خشية من تسييس هذه الارقام، مثلاً بين فلسطينيين مجنسين في الخارج وبين فلسطينيين مقيمين في لبنان، علماً أن الانروا غير معنية بمكان اقامة اللاجىء.
- المشروع سوف يفتح شهية الطامحين في التوطين، إن لم يكن هذا هو هدف المشروع المنشود.
- المشروع كما تدعي الأنروا يهدف لتحديد الاحتياجات الانسانية للاجئين، وهنا السؤال لماذا لا تعتمد أسلوب آخر لاحصاء الحالات الاجتماعية في لبنان، وهو أمر بسيط لان الاونروا لديها الطواقم الفنية المدربة مع تطوير برنامج الأمان الاجتماعي المعتمد، ليتناسب مع الاوضاع الاقتصادية والمعيشية الصعبة.
- المشروع مدخل لتقليص اعداد المستفيدين "لان أعداد كبيرة لن تتمكن من التسجيل"، وبالتالي تقليص موازنات الانروا في لبنان، لأنه لن يتمكن الكثير من اللاجئين من التسجيل لاسباب عديدة.
- المشروع مدخل للمس بالمكانة القانونية للاجئين، خاصة وأن عملية التحقق فردية (الزوج او الزوجة غير الفلسطيني لن يستفيد من مساعدات الانروا).
- من خلال المشروع سيتم الغاء رقم العائلة من بطاقة الاعاشة 1-00، ويصبح المعتمد رقم لكل فرد 2-00، ولهذا تداعيات خطرة لجهة تفكك العائلة.
- سيكون المشروع اجبارياً وشرطاً لكل لاجىء يريد الحصول على المساعدة المالية (مع انها لا تشمل سوى شريحة ضيقة ما بين 19-59) او اي خدمة صحية، تعليمية، او غيرها من خدمات الانروا.
- الانروا لم تأخذ موافقة هيئة العمل المشتركة ولم تقدم لهم شرح عن تداعيات المشروع السياسية والقانونية.
ملاحظة:
مع الاشارة الى أن الانروا قامت بحملة دعائية كبيرة، وانها ستقوم بتجربة المشروع مع النازحين، وأن المشروع سوف يزيد من ثقة المانحين والأموال، وأن لدى الانروا كوادر مدربة ومراكز مفتوحة....ليتبين أن المشروع يشمل جميع النازحين والمقيمين والمغتربين، وأن المراكز لم تكن جاهزة وغير كافية و.....
التحقق الرقمي-تعقيدات وصعوبات
أطلقت إدارة الأونروا في لبنان منذ فترة تطبيقاً للتسجيل Eunrwa، وتعمل حالياً على إطلاق عملية التحقق الرقمي والذي سيبدأ باللاجئين الفلسطينيين من سوريا، وعملية التسجيل في البرنامج هي مدخل إلزامي للتحقق الرقمي.
لكن يخشى اللاجئون الفلسطينيون أن يكون هذا التحقق مدخلاً لتقليص أعداد المستفيدين (على قلتهم)، وبوابة للمس بمكانتهم القانونية، خاصة وأن عملية التحقق فردية، وهناك من يشير إلى التوجه بعدم إفادة الزوج/ة الغير فلسطيني/ة من المساعدة، وقد جرى سابقاً التصدي لمثل هذه المحاولات، كما يفتح الباب لمزيد من المعايير والتعقيدات المتعلقة بالأحوال الشخصية، تواقيت دخول الأراضي اللبنانية وغيرها من الاحتمالات التي تُنتج بالمحصلة مزيد من التقليص أكثر مما هو قائم حالياً، مع العلم أن عملية استلام المساعدة النقدية حالياً تشترط على المستفيدين حضورهم الشخصي مصطحبين أوراقهم الثبوتية وبطاقة الأونروا كما تشترط عرض الرسائل المتعلقة بالمساعدة على الهاتف والتي تحتوي على رقم الحساب والرقم السري، لإتمام عملية التحقق واستلام المساعدة النقدية من مراكز OMT المنتشرة على الأراضي اللبنانية، وأيضاً يُجري باحثوها الاجتماعيون عمليات الإحصاء والتقييم الاجتماعي والاقتصادي والتحقق عبر زيارات ميدانية إلى بيوت المستفيدين وبدون موعد مسبق، فهل كل هذه الإجراءات غير كافية للتحقق؟!!!
نورد فيما يلي العيوب الفنية لتطبيق EUNRWA الذي هو المدخل الاجباري للدخول الى تطبيق التحقق الرقمي:
أولا: تطبيق Eunrwa وشكاوى من ثغرات في إتمام عملية التسجيل منها ما يلي:
- سيتم الغاء التسجيل في مكاتب الانروا، ويشترط لانجاز اي معاملة مثل تسجيل ولادة، وفيات، زواج، طلاق...انزال التطبيق على هاتف اللاجىء، وهو ما يحتاج الى: هاتف ذكي، انترنت، كهرباء، قدرة فنية، وهذا ليس متوفراً لدى غالبية فئات اللاجئين، مع سهولة اختراق الحساب من الآخرين..
- في حال نسيان كلمة المرور سيتم إرسال كود مرة واحدة على رقم الهاتف، وبعد ذلك سيكون التواصل عبر إرسال إيميل، وهنا تبرز صعوبة تواصل عدد واسع من المستفيدين بهذه الطريقة.
- سيؤدي إدخال كلمة السر خمسة مرات بشكل خاطئ لتعطيل الحساب، ويستوجب الاتصال بالأونروا للمعالجة.
- في تقدير أولي لعمليات التسجيل تبين ضعف (السيرفر) الخاص بالبرنامج، وعدم قدرته على الاستجابة في حال كان هناك كثافة في عمليات تسجيل متزامنة.
- بطاقة الأونروا التي تصدر في المحصلة عن البرنامج باللغة العربية، وغير معتمدة في العديد من المجالات ما لم تكن مختومة من الأونروا، مما يضطر المستفيد للذهاب لمركز الأونروا بالمحصلة لإتمام عملية التسجيل، الأمر الذي يُفقد كامل العملية جدواها ويوحي بأن أحد الغايات من البرنامج تقليص أعداد الموظفين.
ثانيا: عملية التحقق الرقمي:
- هذه العملية تشترط اتمام عملية التسجيل بتطبيق eunrwa للدخول لعملية التحقق.
- صورة سيلفي (بصمة الوجه) من نفس الهاتف.
- تفعيل gps وفتح الكاميرا لتصوير الهوية ومطابقتها مع صورة الوجه بتقنية الذكاء الاصطناعي (نُشير لقبول الهوية العسكرية في حال توفرها! )، وهنا تبرز المشاكل المتعلقة باستصدار الأوراق الثبوتية للاجئين الفلسطينيين من سوريا أو في لبنان ولمن فقد ثبوتياته، ولمن تجاوز عمره 16 عاما، ولا يحمل أية مستندات، بالإضافة للأوراق الثبوتية التي تحتوي على صور قديمة أوغير واضحة ولا تتطابق مع الصورة الحالية.
- عملية التحقق فردية وتجري لمرة واحدة فقط.
- بعد الانتهاء من الخطوات السابقة، يجري تحديد موعد لإجراء مكالمة فيديو مع العاملين بالأونروا بآلية خاصة بالأمر، وهنا تبرز مشكلة توفير الكهرباء (غالبا غير متوفرة) والانترنت الذي ربما ستتضاعف كلفته.
- مراكز الأونروا وإن توفر فيها الانترنت هي غير مؤهلة لاستقبال أعداد كبيرة من المراجعين للأمر، وتفتح في أوقات الدوام الرسمي، كما أن هناك صعوبة خاصة للمرضى وكبار السن في الوصول إليها، وإن ثلاثين موظفاً في لبنان لن يستطيعوا تلبية الأمر.
- العملية التحضيرية للموضوع من الناحية التكنولوجية، وإشراك المجتمع المحلي غير متوفرة بالشكل المطلوب ولم تأخذ مداها الزمني المناسب.
- رقم الهاتف الواحد أو حساب الإيميل يلبي للتواصل مع 5 حالات تحقق كحد أقصى.
- ضرورة متابعة كافة الإشعارات من البرنامج وإمكانية إعادة طلب التحقق من الأنروا في أي وقت.
- تستوجب كامل العملية السماح الإجباري للتطبيق بالولوج إلى الهاتف والكاميرا والوسائط الأمر الذي يُعتبر انتهاكاً للخصوصية.