بكر أبوبكر
تعمل الشعوب على تكريس رموزها التراثية والوطنية والحضارية، لما للرموز من أهمية كبرى في استثارة الحسّ الوطني وإثارة الحماسة للفعل، وتعزيز الانتماء الوطني وتحبيب النضال والجهاد المُصان بالحق على الناس أجمعين.
إن الرموز ما هي الا أدوات قومية أو وطنية جامعة لا يختلف عليها اثنان، ففي الوقت الذي لم يكن أحد بالعالم يعرف فلسطين، بل ويخلط بينها وبين الارجنتين او الفلببين أو باكستان باللفظ، أو غيرها ولا يتبين وجودها على الخريطة كانت صورة الشهيد عرفات الموشاة بحطته (كوفيته) هي الدلالة الأبرز عالميًا على الثورة، وعلى فلسطين الارض، والقضية والحضارة العربية وعلى وجود شعب أبيّ يقاتل لاسترجاع أرضه وحريته.
لطالما تفاجأنا حين حضورنا للمهرجانات العالمية سواء فترة الشبيبة، أو ماتلاها لمدى الاقبال العظيم على تملك صورة ياسر عرفات (الختيار)، أو اعتمار الحطة العربية (الكوفية) وهي الشارة العالمية اليوم التي لا مبارز لها في دلالة التمرد والثورة والرفض للواقع المظلم.
من المعيب بل ومما يشكل عارًا وطنيًا (وكل الفصائل الفلسطينية بما فيها "حماس" تعرّف نفسها كفصيل وطني) أن يتم استبدال العلم الفلسطيني بألوانه الأربعة ذات المدلول الترابي، والحضاري بأي علم كان. فرمزيته ارتبطت بالأرض ذاتها أي بأرض فلسطين (27 ألف كم مربع) وبالقضية وبالنضال الفلسطيني منذ 1965م انطلاقة الثورة الفلسطينية الحديثة على الأقل، بل وما قبلها للدقة.
من العار أن يتم تجاوز أو إهمال العلم الفلسطيني الذي أصبح رفعه فوق الرؤوس دلالة وطنية كما هو دلالة عربية مركزية، كما هو دلالة نضالية وحضارية من عمق حضارتنا العربية الاسلامية في كل الفترات.
لن تجد من يحتقر العلم أو الحطّة أو الختيار إلا من يكرهون أنفسهم ويشعرون بالصّغار، وينزعجون من الصوت الآخر، ويحقدون على الألوان.
كارهو العَلَم والرموز الوحدوية تصب أفعالهم شاءوا أو أبوا في حضن العدو، فمن يحتقر العلم أو رافعيه هم الواهمون بالوثن، وكأن صلاح الدين أو خالد بن الوليد أو راية الرسول، أو راية علي بن أبي طالب، أو محمد الفاتح كانت وثنًا، وما ذلك الا وهم الطُهر مقابل التكفير .
إن الحطّة العربية (أصل الحطّة أو الشماغ أو القضاضة أو الغترة أو الكوفية بين العراق والشام) وهي كوفية نسبة للكوفة المدينة العراقية العريقة، وأصبحت الكوفية (المرقطة بالأسود والأبيض منها) رمزًا للثورة العالمية، بمعنى أنها خرجت من العباءة الفلسطينية أو العربية وما كان كل ذلك الا من خلال صورة وحضور ياسر عرفات الطاغي الذي لم يتخلى يومًا عن تصدير الرموز النضالية الى كل العالم حتى أصبح هو كما حطّته (كوفيته المرقطة) رمزًا للنضالية والثورية عدا عن كونهما رمز النضال العربي والفلسطيني.
لقد افتخر كل قادة المنظمات الاقليمية والعالمية التحررية والعربية، والفلسطينية على إطلاقهم بمن فيهم رمضان شلّح وخالد مشعل واسماعيل هنية وجورج حيش ونايف حواتمة.... بأن يعتمر اويتوشح كل منهم عنقه بالعلم الفلسطيني والكوفية العربية الفلسطينية، ولم يرتكبوا أي خطأ في فهم عظمة الرمزية لياسر عرفات (نختلف معه ولا نختلف عليه-جورج حبش)التي أخرج فيها القضية الفلسطينية من الأدراج حتى وصلت كل أصقاع العالم، إلا لدى كارهي أنفسهم وشعبهم وأرضهم.
أن تقوم جهة ضالة مضلّلة من "حماس" في غزة، في جامعة الأزهر أو غيرها بمطاردة لابسي الحطة (الكوفية) أو رافعي العلم، أو حاملي صورة الخالد ياسر عرفات (الختيار) فهم كمن يطعن نفسه بيده.
إنهم يقتلون الرموز الموحدة والجامعة، وهي الاكثر تداولًا في العالم وهي الوسم (hashtag) والرائج (trend) الذي سيظل أبدًا، لأن وهم الإطاحة بالرموز لا يأتي الا من القلة الواهمة بطهرها، وهي لاتؤذي الا نفسها، حيث يبقى الحصان حصانًا والذبابة ذبابة مهما أدمت خلفيته!