بقلم: تمارا حداد
شهد حزب العدالة والتنمية المغربي مؤخرًا عددًا من الانقسامات كادت أن تقضي على الحزب، لكن على ما يبدو أن تلك الانقسامات قد أثرت فعلياً على نتائج الانتخابات الاخيرة في المغرب حيث حصل على 12 مقعد رغم حصوله بالسنوات الماضية على 125 مقعدا.
هناك دلالات لانخفاض قبول الشارع المغربي لحزب العدالة والتنمية وارتفاع آخرين على حسابهم، ولكن قبل الخوض في تلك الدلالات لا بد من ذكر الأسباب التي أدت إلى خسارته بهذا الشكل، أولى تلك الأسباب الانقسامات بين أعضاء الحزب التي أدت لوجود خلافات شخصية وتحولت لفصائل داخل الحزب، وهذه الفصائل بعضها ركزت على الجانب الدعوي وتركت الجانب السياسي من خلال تعديل مواثيقها الذي حدد برامجها وأهدافها.
كما أن وجود التداخل في المهام بين قيادات حزب العدالة والفصائل المنفصلة عنها أدى إلى خلط العديد من الامور بما يختص الجانب السياسي، كما أن قيادات الحزب كانت غاضبة على تصرفات الحكومة لعدم مراعاة الحقائب الوزارية للمنتمين للحزب بل تخليها لصالح الاحتفاظ بكرسي رئيس الحكومة، الأمر الذي أدى إلى تفكك الحزب وحدوث انقسامات داخلية.
كما أن الشارع لم يشعر بأن الحزب دعوي وتربوي وفكري وثقافي اسلامي وسياسي عمله إصلاح المجتمع، ولم يكن نشاطه يشمل مؤسسات المجتمع المدني ولم يتطور عمله لأشكالاً متعددة لمؤسسات جامعة في كل المجالات. فلم يعد الحزب ذو التنظيم الحركي الهرمي المغلق هو الإطار الذي تصب فيه أنشطة الحركة نحو التغيير الأفضل.
إن أبرز مجالات التغيير ظهرت خلال تلك الانتخابات المؤخرة والتي كان المأمول منها تحقيق نهضة اصلاحية معتدلة على مستوى الفرد والأسرة والمجتمع والدولة وبناء نهضة رائدة وحضارة إنسانية راشدة، من خلال ديمقراطية تعتمد أساساً على إعداد الإنسان وتأهيله ليكون صالحاً مصلحاً في محيطه وبيئته، والالتزام بنهج التدافع السلمي والمشاركة الإيجابية.
والدلالة الاخرى أن التغيير الذي حصل هو للتأكيد أن المجال السياسي لا ينجح إلا بعشر مجالات أهمها بناء الفرد وليس الاهتمام بالمصالح الفردية التي تفتك بالحزب، وكما أن العمل الثقافي والفكري يعمل على تعزيز المجال السياسي للحزب وهذا ما ظهر خلال تلك النتائج أن بعض الحركات التي حصلت على مقاعد عالية بدأت بمعرفة فجوات حزب التنمية وبدأت بالعمل السياسي واستكمال المجالات الأخرى كالمجال التربوي والتكويني والاجتماعي والخيري والاهتمام بالمجال النقابي والإعلامي والمجال الاقتصادي.
إن نجاح أي حزب يسعى إلى التشكيل أو تشكل فعلاً هو الذي يهتم بمختلف الأعمال والمهام الرامية من خلال تأصيل العمل السياسي وتوفير الآليات المشروعة له والعمل على تقديم صورة جديدة للجمهور للممارسات السياسية الراشدة والحكيمة.
والنجاح الآخر يأتي من انفتاح الأحزاب على بيئتها والاندماج مع مجتمعها كحركة تدعو للإصلاح وإثبات عناصر الخير في الفرد والمجتمع وتقويته ومقاومة عناصر الفساد والافساد، كما أن انعقاد المؤتمرات الوطنية العامة لكل حزب بشكل دوري كل أربع سنوات وانتخاب دماء جديدة يحدد توجهات وأولويات الحركة مستقبلا، فتجديد الهيكل التنظيمي يساهم في تحقيق التفاعل الإيجابي مع المستجدات القادمة من خلال تدعيم اللامركزية بإحداث مكاتب لها صلاحيات تقريرية توجيهية مع تطوير العلاقة مع القيادة المركزية من خلال العمل بنظام التعاقد الذي تلتزم في إطاره الجهات بإنجاز برامج وأعمال انطلاقاً من المخطط الإستراتيجي المعتمد.
كما أن تبني الحزب منذ نشأته المراجعة العميقة في بناءه التصوري والمنهجي كآلية بنيوية للتأقلم والاستجابة للتحولات المجتمعية والأخذ بمسافات تنظيمية عن أي توجه خارجي يضعف الحزب، كما أن القدرة على الخروج من الحزب الى الحركة إلى أشمل من ذلك هو أفضل لتحقيق وحدة المشروع الوطني.
خلاصة: إن الشارع المغربي من خلال انتخاباته الأخيرة أكد على عدة جزيئات أولها الانتقال من مشروعية المؤسسين الى مشروعية المؤسسات، ومن الارتباط العاطفي والوجداني بالزعماء والآباء المؤسسين إلى الالتزام والتعاقد على الأفكار والمبادئ والأهداف، ومن الاجتماع حول الشخص الى الاجتماع حول القيم.
وكما أن الإنصات والتفاعل الإيجابي والمقاربة الشمولية والإصلاحات هي وسائل كفيلة بتحقيق الكرامة والحرية والعدالة الاجتماعية. والنجاح السياسي رهين بتجميع أكبر عدد ممكن من الأطراف والتيارات والأطياف السياسية وجعلها تتحدث بلسان مشروع توافقي الكل يستفيد منه لكي يفيد ويقدم شيئا للوطن.