بقلم سفير الاعلام العربي عن دولة فلسطين الاعلامي د. رضوان عبد الله
لا اريد ان ادخل لا بردود ولا بردود فعل ولا بسجالات مع اي من الاشخاص المتبجحين بالكلام التافه ، ولا مع اي من الاعلاميين اللبنانيين او العرب ، الذين يحاولون النيل من شعبنا بمخيمات لجوئه او يتهجمون على قضيتنا او قادتنا ، ليس خوفا منهم اذ انهم بالنهاية هم من يتمادون علينا مرات بصراخهم عبر وسائل التواصل الاجتماعي ومرات كثيرة بالنباح او بالسباب والشتائم التي لا تدل الا على سفاهتهم وقلة تربيتهم ووضاعة اخلاقهم بل وانتفائها، ومرات عبر مداخلات عبر شاشات او اذاعات او مرات عبر شخبطات يسمونها رسومات كاريكاتورية او ما شابه ذلك ، وحبذا ان تكون تلك الصراخات والرسومات والمداخلات موجهة ضد العدو الصهيوني وداعميه وعملائه ، لكن بغياب ناجي العلي رحمه الله وبغياب القادة المفكرين والاعلاميين ماجد ابو شرار وعصام السرطاوي وغسان كنفاني واحمد عبد الرحمن والطيب عبد الرحيم رحمهم الله فان الدور الاعلامي المدافع عن القضية الفلسطينية قد قل وهجه وخف زخمه ، وبات الاعلام والفن والرسم بكل اسف موجهين ضد اصحاب القضية العادلة والمستمرة بنكبة انهت سنينها الخمس والسبعين عاما بالتمام والكمال حيث البداية مع معركة القسطل وسقوط القائد عبد القادر الحسيني ومجزرة دير ياسين ، في التاسع والعاشر من نيسان ، فهما العنوان والتاريخ للانحدار العربي المخيف بالانهزام امام العدو الصهيوني الغاشم باراقة دماء الاطفال والنساء والشيوخ،بمعنى تاريخ النكبة بدأ من نيسان واستمر لما بعد ايار من العام 1948 اذ انتجت النكبة تهجير ما يقارب من مليون فلسطيني من اكثر من 425 مدينة وقرية وبلدة ، وتوزعهم على اكثر من ستين مخيما وعشرات التجمعات ايضا ، في لبنان وسوريا والاردن والضفة الغربية وقطاع غزة اللتين كانتا لا زالتا تحت الحكم والادارة العربيتين، المصرية والاردنية الى عام 1967 حيث اكتملت الهزيمة العربية امام العصابات الصهيونية المجرمة العنصرية الحاقدة والدخيلة على المشرق العربي .
على من يجب ان نرد ، فالمتحدثون يتحدثون من دولهم ، او من دول صديقة لدولهم ، والمتفذلكون يتناوبون على التشجيع للهرولة الى التطبيع من اماكن سكناهم او من اماكن صديقة لسكناهم وتخولهم جنسياتهم وجوازات سفرهم ان يتنقلوا بين دولهم واصدقاء تلك الدولة، ذهابا وايابا ، وحين يعودون بعد اي صراخ او انتهاك لحرمة وقدسية قضيتنا وعدالتها لم نر(ى) ولا اي دولة عربية وجهت انذارا ولا تحذيرا لاي من مواطنيها الذين يتهجموا على قضية ( العرب والمسلمين ) كما نسمع بالشعارات الرنانة منذ جيش فوزي القاوقجي الى اليوم ، ولم تكلف اي نقابة من نقابات العرب الكثيرة ان تستدعي احد المنتهكين لحرمة بيت المقدس واهله ، الذين ينتهكونها لفظا و زيارة وكتابة ، و لم تكلف نفسها نقابات الصحفيين والمحررين والفنانين العرب ، من رسامين وتشكيليين ، ان تأخذ دورها بحماية المقدسات الاسلامية والمسيحية لفلسطين بالدفاع عن فلسطين ، قولا وفعلا،اذ ان النقابات من المفترض انها اول من يدافع وآخر من ينهزم ويتراجع.
من المعيب فعلا ان يصارع اهل المخيمات الحصارات الموجودة اقتصاديا وسياسيا، ويتصدون لها بلا عمل ولا معاشات ولا مساعدات ولا تمويلات ، ويفتحون افواهمم للهواء من اجل الذود عن كرامتهم والالتفات الى معيشتهم كي يصمدوا ويستمروا ببرامجهم النضالية التي شرعها و اكدها لهم القانون الدولي برمته ، ويفاجأوا بين الحين والاخر بالضربات و الطعنات التي تأتيهم مرارا وتكرارا من خلفهم ومن عن جنوبهم بدل ان تحميهم وتشد عضدهم وتؤازر قضيتهم.
آن الاوان لكل شرائح شعبنا ان تنتبه لمخيماتنا من كل الآفات،ليس الآفات الاجتماعية فقط، بل من جميع جوانبها،لانه فعلا هو موسم العودة الى المخيمات والمحافظة عليها وعلى ساكنيها، والاهتمام ببرامج التوعية والتثقيف والعمل الميداني كي يعود المثقف الفلسطيني الى واجهة العمل النضالي وكي يعود القلم والمنجل والمبضع وتعود الريشة والزنبقة وابرة الخياطة والخياط الى كل شوارعنا وزوايب سكنانا في مخيمات العز والنضال الفلسطينية ، على الا تلهينا اي من الخزعبلات عن اخذ دورنا النضالي ، طبعا ولا الاصوات الناشذة ، ولا تلهينا الاوبئة او الامراض. وآن الاوان لكل نقابات العرب ان تأخذ دورها القومي، الريادي والطليعي ، من اجل حماية القضية الفلسطينية من اطماع العدو وعملائه ومن اطماع المهرولين الى بارات تل ابيب وخماراتها ومسابحها المسلوبة من شعب فلسطين اللاجيء المهجر عنوة من ارضه وعنها .
ولن ننسى كل لبناني وعربي آمن بعدالة قضيتنا ودافع عنها بحكم ايمانه العميق بالقضية وبحكم تربيته المنزلية والنضالية معا، ولنتوجه بالشكر الجزيل وبالتحية والتقدير اولا الى كل مناضل عروبي بطل ناضل وقاوم واستشهد على درب جلجلة المسيح،النبي الفلسطيني والفدائي الناصري ، ولا نستطيع الا ان نخص بتحية الوفاء والتقدير اول الشهداء على درب تلك التضحيات ، الشهيد بالجيش اللبناني النقيب محمد زغيب ورفاقه الذين كانوا اول من ضحوا بارواحهم واستشهدوا من اجل فلسطين ودفاعا عنها في معركة المالكية الشهيرة التي نعتز بها وبمن خاضها الى يوم الدين ، وثاني الشهداء خليل عز الدين الجمل،وهو اول شهيد عربي بل انه لبناني المنبت وفلسطيني الانتماء والتضحية والفداء ولكنه الاول في مسيرة الثورة والنضال بعد الشهيد احمد موسى ، وما تاريخ نيسان الا شعلة اضاءت طريق الثوار بدماء الشهيد الجمل الذي استشهد بالخامس عشر منه ، ليوفي بوعد الثوار وعهد المناضلين الاحرار والشهداء القادة الابرار الذين بروا بوعدهم واوفوا بعهدهم في نيسان ، ولنا من نيسان تضحيات جسام بذكريات الشهداء والمجازر ، وهذه وحدها كفيلة على الرد على المطبعين وعلى المهرولين وعلى الجهلة التافهين الاشرار،اما ما بعد نيسان وما بعد بعد نيسان وبقية الشهور فلنا فيها مواعيد كثيرة .
ان ما حصدناه من صمود لشعبنا في مخيمات وتجمعات لجوئه ، ونحصده اليوم ، من نتائج مميزة على مستوى تجسيد الدولة الفلسطينية المستقلة وعاصمتها القدس الشريف-تلك النتائج الرفيعة المستوى ، التي ظهرت بشائرها تباعا منذ ان تم طرد السفير الصهيوني من العاصمة الفنزويلية منذ اكثر من خمس سنوات بسبب العدوان على اهلنا في فلسطين وصوﻻ الى ما يحصل اليوم من رفض لكل ما يمثله الكيان الصهيوني البغيض المحتل ﻻرضنا ،في اكثر من دولة و من عاصمة ،هي نتاج الزرع الذي زرعته مخيماتنا من تضحيات جسام بتعليمات مباشرة من قبل قيادتنا التاريخية ، وفي بناء العﻻقات السياسية و الدبلوماسية والقانونية ،عربيا ودوليا ، جنبا الى جنب مع التكامل النضالي مع كافة قوى التحرر الوطني في العالم من فيتنام الى كوبا و الجزائر وصوﻻ الى فنزويﻻ مرورا بحركات التحرر الاممية في كل من جنوب افريقيا و نيكاراغوا وكل اﻻمم اﻻسيوية و اﻻفريقية و اﻻمريكية اللاتينية ؛ و دعم شعوبنا العربية و اﻻسﻻمية ؛ و ﻻ يجب ان ننسى اوروبا التي حطمت جدار برلين و ثارت على ظلم و طغيان دكتاتوريات وامبراطوريات؛ و ان دل ذلك على شيء فإنما يدل على حكمة و رشادة قيادة شعبنا الفلسطيني بدءا من الرئيس الشهيد الرمز ابي عمار وصوﻻ الى الرئيس القائد الثابت على الثوابت ابو مازن، تلك الرشادة التي جعلت الدول الاممية المناضلة ترفض اعمال و ممارسات الكيان الصهيوني بحق شعبنا وارضنا و مقدساتنا ؛ و تفتح الابواب على مصراعيها امام فلسطين الدولة و الشعب و المؤسسات، ايمانا من تلك الدول الصديقة ان فلسطين هي للفلسطينيين شاء من شاء و ابى من ابى، وهذا من البديهيات والمسلمات التي صممنا على كتابتها وتوثيقها بدماء شهدائنا في مخيمات الصمود والتضحية و الفداء بدءً من الكرامة والبقعة وجرش وعجلون مرورا بتل الزعتر والكرنتينا والضبية والنبطية و وصولا الى المية ومية و عين الحلوة وباقي مخيمات الهجرة و النكبة واللجوء المرير، وما التثبت بمواقع عملنا في تلك المخيمات الا دليلا واضحا واكيدا على ان المخيم هو البقعة النابضة بالحياة والصامدة الصابرة المثابرة لحين العودة الى ديارنا ، وكما انطلقنا من مخيمات العز والشرف والفداء باتجاه فلسطين متمسكين بكامل حقوقنا الثابتة والعادلة فها نحن نؤكد على ان طريق العودة لن تكون الا من مواقع لجوئنا بمخيماتنا الستين او اقل بقليلا وهذا هو الركن الاساسي لمشروعنا الوطني المرتكز على حب الوطن والانتماء اليه والمنغمس بالقول والفعل والعمل والاسلوب والمباديء والاهداف الاساسية التي انطلقت من خلالها ثورة الخمسة وستين حتى تحرير فلسطين ، كل فلسطين .
*كاتب و باحث فلسطيني مقيم في لبنان
* رئيس الهيية التنفيذية - الاتحاد العام للاعلاميين العرب،
*رئيس لجنة العلاقات الخارجية والاعلام/ رابطة مثقفي الشعوب العربية- دولة فلسطين.