الولايات المُتحدة (( خربطة الأوراق )) ...

 

كتب : بكر نعالوة 

 

 جدلاً كيف تُفكر الولايات المُتحدة حالياً وهي تتخلى عن حُلفائها, هل نستطيع أن نُفسر هذه الظاهرة الغريبة من التخبط في السياسة الخارجية للولايات لا سيما أن العلاقات الخارجية للولايات المُتحدة ومنذ عقودٍ مضت اتسمت بالتوازن  وترابُط المصالح وكذلك تأثير جماعات الضغط ، إلا أن كُل ذلك لم يعُد موجوداً في الوقت الحالي .

ونحنُ الآن نُراقب تعرجات في العلاقات الخارجية للولايات المتحدة ظهرت في ضمور علاقتها مع السعودية مثلاً ، الى جانب غياب لغة الحزم التي تعودنا عليها مع إيران , والانسحاب المفاجئ من أفغانستان وبدون مشاورات مع حلف الناتو , كذلك الأمر الصفعة التي وجهتها أميركا لفرنسا من خلال سحب صفقة الغواصات الأسترالية ، والإعلان عن تحالف جديد نوعاً ما يجمع كُل من ((الولايات المُتحدة , المملكة المتحدة , الهند , أستراليا )) ..

كُل تلك المؤشرات تُفيد بأن الدور الذي لعبتهُ أميركا مطولاً (( شرطي العالم )) قد انتهى ، ولكن بقرار أميركي ، وهُنا تكمُن خطورة الحدث , حيث أرى بأن الولايات المُتحدة من خلال تلك السياسة الخبيثة تُريد أن تُهيمن على أنها القوة العالمية الأوحد ، وتُريد أن تدفع العالم لمواجهة ما تُعدها في الغُرف المغلقة ، ليس لمواجهة الصين فحسب ، بل أن تدفع كُل الدول لمواجهة ما تخصها ، بحيث تعُم الفوضى ويوتر ذلك حالة الاستقرار أملاً في أن يضعف ذلك الطموح الصيني والروسي ويمنح الولايات المُتحدة المزيد من الوقت لكبح جماح التنين الصيني .

ولكن السؤال بماذا تُفكر الصين ؟

الصين بالمجمل لا تُخفي طموحها في أن تكون الأقوى اقتصاديا ، وكذلك الأمر أن يكون لديها ما يكفي من القوة العسكرية على الفضاء والأرض ، ويُمكنها من استعادة تايوان وفرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي ، وربما أيضاً طرد الولايات المُتحدة من آسيا .

لكن كل تلك الطموحات لا زالت هادئة ومرنة ولا تحمل في طياتها حب السيطرة المُطلقة وكذلك الهيمنة بالمفهوم الأميركي , و باعتقادي المتواضع إن أقسى ما تسعى إليه الصين وهو بتأكيد ما ترفضهُ أميركا بالمطلق تأميم السوق التجاري الآسيوي الإفريقي سواء بمفهوم الهيمنة أو الشراكة الاقتصادية .

لذلك ترى الصين في تايوان البوابة التي ستُتيح لها أن تنفذ سياستها الاقتصادية والاستراتيجية من خلال البحر إذا استطاعت أن تستعيد تايوان وتفرض سيطرتها على بحر الصين الجنوبي , وبطبيعة الحال لا تفوت الصين أن تجد بديلاً عن البحر في البر من خلال طريق الحرير التي مِن المُمكن أن تُشكل الخُطة البديلة في حال واجهت صعوبة في تحقيق هدفها الأول .

السؤال الثاني والأهم ، ما هي الرسائل التي تُريد الولايات المُتحدة إيصالها من خلال سياستها الخارجية الجديدة ، وما هي أبعاد تلك السياسة ؟

في البداية رُبما نستطيع أن نعتبر التحالف ((الأمريكي , البريطاني , الأسترالي )) تحالف الأنجلوسكسونيون ، أي تحالف ذات بُعد قومي , ولكن في حال نظرنا للملكة المُتحدة على أساس دول الكومنولث ، سنرى في ذلك بُعداً ((اقتصاديا , سياسياً , جي استراتيجي , عسكرياً )) وخصوصا إذا رصدنا أهمية الموقع الاستراتيجي لدولة أستراليا في مواجهة الصين في المحيط الهادئ والهندي  .

ماذا عن الهند ، هل ستلعب دوراً مُعطلاً في طريق الحرير أو في محاولة إشعال آسيا الوسطى أم ستكتفي بأن تكون الحليف الذي يمتلك (( طاقة بشرية كبيرة , قوة عسكرية , اقتصاد جيد نوعا ما )) أو ربما  يمتلك حدود وعلاقات سيئة مع الصين ويسعى في أن يحظى برضى الولايات المتحدة ليحوز على جزءاً من الاستثمارات التي حصلت عليها الصين ؟؟!!

كُل تلك المؤشرات واردة ، ونحن لا زلنا في البداية , حيث كذلك الأمر يتعلق بمباركة اليابان لهذا التحالف ، والذي لا بُد أن يكون دفع اليابان وفي الغرف المغلقة وبإشارة من الولايات المتحدة لتشكيل حلف يجمع الدول المجاورة لصين والمناوئة لها كذلك (( اليابان , تايوان , الفليبين , فيتنام , إندونيسيا , كوريا الجنوبية , ماليزيا , بروناي )) لما تتمتع بهِ هذه الدول من علاقات سيئة مع الصين سواء على صعيد المنافسة الاقتصادية ، أو فيما يتعلق بالسيطرة على بحر الصين الجنوبي ، وكذلك الأمر لا يخلو من الشوائب التاريخية .

أما بخصوص ما يتعلق بالاتحاد الأوروبي ،  وكأن الولايات المتحدة تحاول أن تقول للاتحاد الأوروبي : عليكم أن تدافعوا عن أنفسكم (( اقتصاديا , عسكريا )) وأن تجدوا بديل لكل ما يربطكم في روسيا أو الصين ، وكأنها تُريد دفع الاتحاد الأوروبي الى تغيير جذري في عموم سياساته بحيث أن لا يبقى معتمدا ً على الشراكة مع الولايات المتحدة ، وأن يستفيد من تلك الشراكة دون أن يضحي بمقابل تُريده الولايات المتحدة سواء على صعيد الغاز الروسي أو العقوبات على الشركات الصينية .

في الشرق الأوسط يتم تصفية السعودية ، وربما تُركيا كدول بارزة في السياسة الإقليمية وقد يكون ذلك على حساب العلاقة مع (( روسيا , الصين )) ، طبعا ذلك ، لا يعني نجاح التصفية حيث لا زلنا نشهد كل يوم تغيير في العلاقات ومحاولة الدول في الشرق الأوسط أن تلتئم مع مصالحها في محاولة لبلورة شكل جديد للعلاقة بين الدول في الإقليم , ولكن المؤكد والمهم جدا بأن الولايات المتحدة لا مشكلة لديها مع بعض المشاريع في الشرق الأوسط ، وربما قد تحوز على دعمها سواء (( المشروع الإبراهيمي , تحالف الشام الجديد )) لأن نجاح أي من المشروعين سيسهم في خدمة الولايات المتحدة ، ربما في منحها منطقة نفوذ اقتصادي آمنة وبِكر نوعاً ما ، وكذلك الأمر في منحها بعض القوة لتوجيه إيران لتقنين علاقتها في الصين مقابل بعض الامتيازات والتي ستكون على حساب (( السعودية , تركيا )) إلا إذا استطاعت كلتا الدولتين أن تُدير علاقتها بشكل أفضل سواء مع إيران أو في حلف الشام الجديد ، ولا أعتقد بأن هُناك فرصة للمشروع الإبراهيمي للسلام في النجاح .

أخيراً لا زال في جعبة الولايات المتحدة أوراق تحاول اللعب فيها إلى جانب نشر الفوضى في العالم وتغيير خارطة التحالفات ودفع الدول لشعور بالفراغ من جوانب عدة ، وخصوصاً فيما يتعلق بالرواية الأمريكية التي تقدم ذاتها كنموذج ديموقراطي في مواجهة أنظمة قمعية متسلطة ذات سلطة مركزية ، كذلك الأمر فيما يتعلق بتحميل الصين المسؤولية عن وباء كورونا ، والوقوف عائقاً أمام محاولات الصين في مجال صناعة الرقائق الإلكترونية ، وفرض العقوبات الاقتصادية على شركات صينية ، إضافة لأهم أدوات الهيمنة الاقتصادية (( الدولار )) ، حيث لا زال العالم لم يجد إجابة مقنعة في حال غياب الولايات المتحدة عن القوة الأعظم .. ماذا عن الدولار !! 

 

  • كاتب ومحلل سياسي واقتصادي / طولكرم