حسن حردان
يرى الكثير من المحللين والمراقبين في المنطقة والعالم أنّ الهروب الأميركي المذلّ من أفغانستان، سوف يعجل بخروج أميركا من المنطقة، لمصلحة تركيزها على الشرق الأقصى في مواجهة تنامي النفوذ الصيني في شرق آسيا والعالم…
وإذا كان من المنتظر ان يعقب الخروج الأميركي من أفغانستان، انسحاب أميركا من سورية ومن ثم العراق، لا سيما بعد توارد أنباء تفكيك واشنطن ثلاث قواعد عسكرية لها في شمال شرق سورية من ناحية، وتواتر عمليات المقاومة الوطنية العراقية والسورية ضدّ أرتال القوات الأميركية في العراق والقاعدة الأميركية في ريف دير الزور من ناحية ثانية…
فإنّ من الطبيعي أن يُطرح السؤال الكبير، حول مستقبل النفوذ الاستعماري الأميركي في باقي دول المنطقة، وأمن كيان الاحتلال الصهيوني، خصوصاً أنّ الانسحاب من سورية والعراق سوف يؤدّي إلى تداعيات سلبية على الدول الموالية لواشنطن وعلى أمن ووجود الكيان الصهيوني…
هل انّ واشنطن سوف تنسحب من كامل دول المنطقة، وتترك كيان العدو الصهيوني يواجه تداعيات هذا الانسحاب والتبدّل الذي سيحدثه في موازين القوى لمصلحة حلف المقاومة الذي أصبح يحاصر كيان الاحتلال؟
الجواب الأكيد هو أنّ واشنطن لن تنسحب نهائياً من المنطقة، لعدة أسباب:
السبب الأول، حاجتها لحماية مصالحها الاستعمارية المتمثلة بالنفط والغاز، وهي تشكل أساس وجودها العسكري والأمني، وطالما انّ هناك نفطاً وغازاً يشكلان شريان الاقتصاد العالمي وعصب هذا الاقتصاد فإنّ أميركا ستبقي على جزء من قواتها وقواعدها لحراسة هذه المصالح.
السبب الثاني حماية خطوط إمداد النفط والغاز التي تعبر المضائق والبحار من الخليج ومروراً بمضيق هرمز ومضيق باب المندب، وقناة السويس، ووصولاً إلى الدول الصناعية الكبرى.
السبب الثالث، حماية أمن ووجود كيان الاحتلال الصهيوني الذي يشكل ركيزة أميركا الاستعمارية الأساسية في قلب الوطن العربي، فهذا الكيان زرع من قبل الاستعمار لأجل تقسيم وتجزئة الوطن العربي، وضمان استمرار نهب الشركات الأميركية الغربية للنفط والغاز في العالم العربي.
لكن تراجع الحضور العسكري الأميركي وتنامي قوة حلف المقاومة، سيحدث خللاً في موازين القوى، يجبر أميركا على اعتماد سياسات لتحديد خسائرها والحدّ من تراجع نفوذها، طالما أنها لم تعد قادر على شنّ حروب عسكرية مكلفة لها وتتجاوز قدراتها…
ولهذا يتوقع ان تلجأ واشنطن إلى وضع استراتيجية تقوم على البراغماتية هدفها الحدّ من تراجع نفوذها، وحماية مصالحها، وقوام هذه الاستراتيجية المتوقعة ما يلي:
أولاً، العودة إلى الاتفاق النووي من دون ايّ تعديل، ورفع العقوبات عن إيران، بعد أن تستنفذ واشنطن محاولات إدخال تعديلات على الاتفاق واستثناء بعض العقوبات، لكن من دون جدوى…
ثانياً، دفع الدول الحليفة والموالية لأميركا لتجاوز خلافاتها وتوحيد صفوفها بما يجعلها قادرة على مواجهة حلف المقاومة بعد تراجع النفوذ الأميركي.. وهو ما بدأت المباشرة به هذه الدول بإيعاز أميركي.
ثالثاً، العمل على إقناع المسؤولين «الإسرائيليين» لأجل العودة لإحياء المفاوضات مع السلطة الفلسطينية على أساس حلّ الدولتين باعتبار ذلك هو الضمانة الإستراتيجية لتحقيق أمن واستقرار الكيان «الإسرائيلي» على المدى البعيد، لأنّ البديل عن ذلك مواجهة الكيان الصهيوني مقاومة فلسطينية تزداد قوة وقدرة وعزيمة، مدعومة من حلف المقاومة الخارج منتصراً من مواجهة حروب أميركا المباشرة وغير المباشرة…