استحكام الأزمة الاقتصادية
ودعوات للأمم المتحدة لتقديم مساعدات عاجلة للاجئين الفلسطينيين في لبنان
واعتبار المخيمات الفلسطينية مناطق منكوبة
عندما تقطعت به السبل منذ ثمانية أشهر، وتسببت الأزمة الاقتصادية في فقدانه لعمله، لم يجد "أبو إسماعيل" من سكان مخيم شاتيلا في العاصمة بيروت حلّا سوى بيع أثاث منزله لإعالة أسرته، في ظل الأزمة الاقتصادية التي يشهدها لبنان نتيجة انهيار الليرة اللبنانية وأسباب أخرى.
حال "أبو إسماعيل" كحال الكثير من اللاجئين في المخيمات الفلسطينية في لبنان، ممن يسعون وراء تأمين احتياجاتهم اليومية في ظل الوضع الاقتصادي المتردّي، وقلة فرص العمل، وعدم تقديم الدعم الكافي لهم من قبل المنظمات والمؤسسات العاملة في الوسط الفلسطيني. هذا الواقع هو ما دفع الكثير منهم للتفكير في بيع ممتلكاتهم البسيطة، لعلها تؤمن لهم شيئا من لقمة العيش.
انهيار الليرة اللبنانية وغلاء المعيشة أدى لحالة من الفقر المدقع في أوساط اللاجئين، إلى جانب منعهم من قبل الحكومة اللبنانية من ممارسة أكثر عشرات المهن، إضافة إلى شروط واجب توافرها للحصول على إجازة عمل.
تقود الرغبة في الحصول على حياة كريمة للاجئين الفلسطينيين قيامهم ببدائل مريرة متعددة من أجل الحصول على المال الكافي لتأمين أدنى متطلبات الحياة. صعوبات جمة يعيشها اللاجئون نحو "حياة" دونها شقاء وبعضا من أمل.
أمام هذ التحديات القاسية، تواجه وكالة الأمم المتحدة لغوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين (الأونروا) في لبنان انتقادات واسعة من قبل اللاجئين الفلسطينيين والفصائل الفلسطينية، بشأن ما وصفوه بـ "فشل" المنظمة الدولية في مواجهة فيروس "كورونا"، وتبعاتها الصحية والاقتصادية والمعيشية التي فاقمت من صعوبة أوضاع اللاجئين.
وكانت وكالة الأونروا قد شرعت مؤخراً بتوزيع مساعدات إغاثية نقدية طارئة، على اللاجئين الفلسطينيين في لبنان بعد عدة مطالبات من المجتمع المحلي من بينها المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) . وقد رافق آلية التوزيع ملاحظات عديدة في ظل غياب الدراسة والتخطيط والتنظيم والرقابة، وقد بدا ذلك واضحاً من خلال:
1. 112 ألف ليرة لبنانية للفرد الواحد يعتبر مبلغا زهيدا وغير كاف في ظل انخفاض سعر صرف العملة اللبنانية مقابل الدولار الأمريكي، فيما يقدّر أعداد المستفيدين بحوالي 475 ألفًا، وفقًا لإحصائيات الأونروا.
2. دمج المساعدات المالية الدورية لفئة العسر الشديد، والموجودة أصلاً في الموازنة العامة السنوية للأونروا General fund، ومساعدات فلسطينيي سورية مع المساعدات المالية الطارئة للاجئين في لبنان.
3. صرف المساعدات المالية من خلال شركة تحويل الأموال Bob finance بدلاً من التعاقد مع جميع مؤسسات تحويل الأموال الأخرى.
4. اشتراط حضور الأفراد بأنفسهم إلى مراكز صرف الأموال، مع عدم مراعاة كبار السن والمقعدين.
5. إيقاف الأونروا لعملية توزيع المساعدات النقدية أكثر من مرة، وهو ما عكس مدى سوء إدارة هذا الملف.
وسط هذه المصاعب، وفي ظل إجراءات أدت لتوقف الناس عن أعمالهم، وارتفاع نسبة البطالة والفقر، تطرح المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) جملة من التساؤلات الجوهرية.
ماذا بعد هذه المساعدة اليتيمة والخجولة التي قدمت لمرة واحدة فقط؟ ولمن يُترك اللاجئون في ظل هذه الأزمة المتصاعدة؟ ومن المسؤول عن البحث عن آليات ومشاريع جديدة من شأنها التخفيف من وطأة هذه المعاناة الإنسانية، في ظل التدهور الاقتصادي والمالي الحاد في لبنان؟ وعلى عاتق من تقع مسؤولية وضع برنامج طوارئ إغاثي شامل؟
إنّ وكالة غوث وتشغيل اللاجئين الفلسطينيين ملزمة، بموجب قرار تأسيسها الدولي عام 1949، بتقديم الخدمات الأساسية للاجئين الفلسطينيين في مناطق وجودهم الخمسة (الضفة الغربية، غزة، الأردن، سوريا، ولبنان)، والمتمثلة بالإيواء والغذاء والتعليم والصحة، خاصة في أوقات الأزمات.
الوباء يتسلل إلى المخيمات الفلسطينية ومخاوف من ارتفاع عدد الإصابات.
أسفر وباء كوفيد-19 عن أزمة صحية واقتصادية عالمية. ومن المرجح أن ترتفع حدة الكره والعنصرية تجاه الأجانب في البلدان المضيفة، تزامنا مع تقليل جهود دعم اللاجئين. حيث أن البلدان المضيفة تعطي الأولوية لسكانها للوصول إلى الوظائف والخدمات الاجتماعية، بحسب تقرير منظمة اللاجئين الدولية.
ومؤخرا، ارتفعت أعداد الإصابات بفيروس "كورونا" في صفوف اللاجئين الفلسطينيين في لبنان، والتي بلغت 89 إصابة، موزعة على مناطق الشمال والبقاع وصور وصيدا وبيروت، سجّلت منها 44 حالة شفاء، بينما يتماثل 45 آخرون للشفاء وفقًا لوكالة "الأونروا" حتى تاريخ 2 آب 2020.
وأجرت الأونروا خلال حملتها الأخيرة في المخيمات ما يقارب 500 فحص عشوائي، فيما العدد الإجمالي للفحوصات منذ بداية الأزمة إلى اليوم قد تجاوز الألفين. كما انتهت من تجهيز مركز عزل في مخيم "عين الحلوة"، وآخر في مخيم "البص"، فيما تواصل السعي إلى إيجاد مركز عزل في مخيمات مناطق الشمال اللبناني.
هذا وتعبر المؤسسة الفلسطينية لحقوق الإنسان (شاهد) عن مخاوفها من ارتفاع أعداد المصابين بفيروس كورونا في صفوف اللاجئين بعد خروج "كورونا" عن السيطرة في لبنان، ودخوله مرحلة جديدة من وباء كوفيد - 19: "انتشار سريع للوباء، تزايد عدد الإصابات، غياب الإجراءات الفعّالة، وعدم اتّخاذ المواطنين إجراءات الوقاية اللازمة".
وسط تنبيهات بضرورة أخذ الحيطة والحذر، ونظراً للواقع الصحي والاستشفائي المترنّح -قبل فورة ارتفاع الإصابات- الذي لن يحتمل مواصلة تسجيل أرقام مرتفعة، ما هو المطلوب عملياً من الأونروا في هذه الأزمة المتواصلة؟
1. حماية اللاجئين في المخيمات والتجمعات الفلسطينية، وتوفير الرعاية الصحية اللازمة لهم.
2. ضمان توفير الأدوية والمعقمات والأدوات الوقائية الصحية المختلفة.
3. تفعيل البرامج الصحية والإغاثية الطارئة، إلى جانب تفعيل برنامج الكوارث الإنسانية لمواجهة فيروس كورونا.
4. تشكيل غرفة طوارئ لكل مخيمات وتجمعات اللاجئين الفلسطينيين من الشمال إلى الجنوب.
5. الإعداد والجهوزية التامة لبرامج الإغاثة في المؤسسات والجمعيات الفلسطينية.
6. توفير الدعم النفسي للعائلات الفلسطينية خاصة فئة الأطفال.
7. حث المؤسسات الدولية الأخرىUNICEF- UNDP - UNHCHR- UNFPA" " للتعاون مع وكالة الأونروا، والحصول على قروض لتتمكن من تغطية الاحتياجات في مناطق عمليات الأونروا الخمسة.
8. على وكالة الأونروا تقديم طلب لمنظمة الصحة العالمية للحصول على مساعدات مباشرة، وإطلاق نداء طارئ والدعوة لمؤتمر عاجل تعلن فيه الأونروا مخيمات لبنان "منكوبة".
9. العمل على إعادة تجهيز مركز سبلين لاستقبال الحالات المصابة بفيروس كورونا بما يتناسب مع حجم الأزمة المتصاعدة.